المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا

رواية اللص والكلاب


اللغة:
وتمتاز لغة نجيب محفوظ بكونها لغة واقعية تصويرية تستند إلى تسجيل المرجع وتمويهه بلغة تتداخل فيها الفصحى والعامية المصرية ليقترب أكثر من خصوبة الواقع العربي المصري. لذالك استعمل الكاتب تعابير العامية المصرية وأساليبها وألفاظها وصيغها المسكوكة. كما استعمل قواميس تدل على حقول دلالية مثل: حقل الأثاث، وحقل الطبيعة، وحقل الدين والتصوف، وحقل الصحافة والإعلام، وحقل السلطة والجريمة، وحقل الوجود و العبث، وحقل القيم، وحقل المجتمع، وحقل السياسة….
وعلى الرغم من استخدام اللغة الطبيعية الواقعية المباشرة التي تنبني على الخاصة التقريرية الجافة الخالية من كل رونق بلاغي وشاعري، إلا أن الكاتب يوظف في بعض الأحيان تعابير قائمة على المشابهة ( التشبيه والاستعارة) ، والمجاورة( المجاز المرسل والكناية)، واستعمال الرموز (اللصوص والكلاب…) لتشخيص الأحداث والمواقف وتجسيدها ذهنيا وإحاليا وجماليا.
ويشغل الكاتب جملا بسيطة ومركبة، وغالبا ماتكون الجمل الروائية جملا فعلية بفواصل قصيرة، تنمي مسار الأحداث وتؤزمها، وقد أورد الكاتب هذه الجمل ليحبك الأحداث ويحقق حركية السرد وتطوره الدرامي و يثري توتره على مسار الحبكة السردية والعقدة القصصية.
الاسلوب:

الوصف : ينصب الوصف على الأشخاص والأمكنة والأشياء والوسائل، وله وظائف جمالية ودلالية وتوضيحية تفسيرية. ويقوم الوصف بتمثيل الموجود مسبقا ومحاكاته من أجل الإيهام بوجوده الحقيقي والمرجعي( الإيهام بالواقعية). ويهتم الوصف في الرواية الواقعية بتحديد المجال العام الذي يتحرك فيه الأبطال. ويعني هذا أن الوصف يستخدم في تحديد الخطوط العريضة لديكور الرواية، ثم لإيضاح بعض العناصر التي تتميز بشيء من الأهمية.
ومن العناصر التي تم التركيز عليها وصفا وتشخيصا وتجسيدا تصوير الشخصيات فيزيولوجيا واجتماعيا وأخلاقيا ونفسانيا، كوصف سناء التي أثارت أباها سعيد مهران بوجودها الرائع ؛ لأنه ترك بنته الوحيدة وهي طفلة صغيرة بين الأيدي الخائنة:" وعندما ترامى وقع الأقدام القادمة ، خفق قلب سعيد خفقة موجعة وتطلع إلى الباب وهو يعض على باطن شفتيه. مسح تطلع شيق وحنان جارف جميع عواصف الحنق. وظهرت البنت بعينين داهشتين بين يدي الرجل، ظهرت بعد انتظار طال ألف سنة. وتبدت في فستان أبيض أنيق وشبشب أبيض كشف عن أصابع قدميها المخضبتين. وتطلعت بوجه أسمر وشعر أسود مسبسب فوق الجبين فالتهمتهما روحه."
ويصف الكاتب رؤوف علوان ساخرا من مبادئه الزائفة وثورته الواهمة التي ذهب ضحيتها كثير من الأبرياء والفقراء والبؤساء وزجوا بهم في السجن من أجل أن يستفيدوا من المناصب السامية ويقتسموا الثروة ليعيش الآخرون جوعا وفاقة:" رؤوف علوان، خبرني كيف يغير الدهر الناس على هذا النحو البشع؟! الطالب الثائر. الثورة في شكل طالب. صوتك القوي يترامى إلي عند قدمي أبي في حوش العمارة، قوة توقظ النفس عن طريق الأذن،عن الأمراء والباشوات تتكلم. وبقوة السحر استحال السادة لصوصا. وصورتك لاتنسى وأنت تمشي وسط أقرانك في طريق المديرية بالجلابيب الفضفاضة وتمصون القصب... وكنت بين المستمعين لك عند النخلة التي نبتت عند جذورها قصة حبي وكان الزمان ممن يستمعون لك. الشعب... السرقة... النار المقدسة. الثروة...الجوع....العدالة المذهلة. ويم اعتقلت ارتفعت في نظري إلى السماء. وارتفعت أكثر يوم حميتني عند أول سرقة. ويوم رد حديثك عن السرقة إلي كرامتي. ويوم قلت لي في حزن" سرقات فردية لا قيمة لهان لابد من تنظيم!". ولم أكف عن القراءة والسرقة بعد ذلك. وكنت ترشدني إلى السماء الجديرة بالسرقة. ووجدت في السرقة مجدي وكرامتي. وأغدقت على أناس كان من بينهم للأسف عليش سدرة."
ووصف الكاتب عليش سدرة و زوجته نبوية وخليلته نور في عدة مواضع من الرواية عبر مستويات خارجية واجتماعية وأخلاقية ونفسية تكشف لنا انتهازية عليش وخيانة رؤوف علوان ومكر نبوية واستهتار نور وصفاء الشيخ الجنيدي ونكران سناء لأبيها الخارج من السجن .
وينقل لنا الكاتب أمكنة متناقضة ، البعض منها يوحي بالغنى والثراء كفيلا رؤوف علوان الغاصة بالأشياء الثمينة، والبعض الآخر يوحي بالفقر والفاقة والخصاص كشقة نور.
وإليكم مقطعا وصفيا يتداخل فيه وصف المكان ووصف الأشياء لتجسيد التفاوت الطبقي والصراع الاجتماعي:" وأضاء خادم النجفة بصر سعيد بمصابيحها الصاعدة ونجومها وأهلتها. وعلى ضوئها المنتشر تجلت مرايا الأركان عاكسة الأضواء، وتبدت التحف الثاوية على الحوامل المذهبة كأنها بعثت من ظلمات التاريخ، وتهاويل السقف وزخارف الأبسطة والمقاعد الوثيرة والوسائد المستقرة عند ملقى الأقدام. وأخيرا استقر البصر على وجه الأستاذ الممتلئ المستدير، ذلك الوجه الذي طالما عشقه وحفظه عن ظهر قلب لطول ما أحدق فيه منصتا. وبينا راح الخادم يفتح بابا مطلا على الحديقة في الجدار الأيسر ويكشف عنه ستائره مضى وهو ينظر إلى الأستاذ ويلحظ الروائع مسترقا."
السرد:
السرد: وظف نجيب محفوظ في روايته عدة أساليب سردية لنقل الأحداث والتعبير عن مواقف الشخصيات. ولقد أكثر من السرد ليقترب من الواقع أكثر لمحاكاته وتسجيله وتشخيصه بطريقة تراجيدية. ويحضر أسلوب سردي آخر يسمى بالأسلوب غير المباشر الحر الذي يختلط فيه كلام السارد مع كلام الشخصية وهو كثير بين ثنايا الرواية:” آن للغضب أن ينفجر وأن يحرق، وللخونة أن ييأسوا حتى الموت، وللخيانة أن تكفر عن سحنتها الشائهة. نبوية عليش، كيف انقلب الاسمان اسما واحدا؟ أنتما تعملان لهذا اليوم ألف حساب، وقديما ظننتما أن باب السجن لن ينفتح، ولعلكما تترقبان في حذر، ولن أقع في الفخ، ولكني سأنقض في الوقت المناسب كالقدر. وسناء إذا خطرت في النفس انجاب عنها الحر والغبار والبغضاء والكدر. وسطع الحنان فيها كالنقاء غب المطر. ماذا تعرف الصغيرة عن أبيها؟ لاشيء.”
الحوار:
وفي نفس الوقت، يلتجئ إلى الحوار قصد معرفة تصورات الشخصيات وتناقض مواقفها الإيديولوجية. كما التجأ أيضا إلى المنولوج للتعبير عن صراع الشخصيات وتمزقاتها الداخلية ذهنيا ونفسيا.

يتمثل التجديد الذي سعى إليه نجيب محفوظ في هذه الرواية في تسليط الضوء على الذات البشرية وإعادة الاعتبار إليها، وتشخيص شعورها بالعالم المحيط بها. وقد برع نجيب محفوظ في توظيف الحوار في هذه الرواية، مما مكنه من التعبير عن الروح القلقة لأبطاله، وكشف الظلمة التي تحيط بهم. ويحضر الحوار في الرواية إما على شكل "مونولوج" داخلي تشتق فيه الشخصية من ذاتها آخر يقاسمها حديثها عن العالم، أو على شكل حوار مباشر تتحدث فيه الشخصيات عن مواقفها ورؤاها بصدد الموضوعات التي تواجهها. والحوار هو أداة الروائي في السرد، فليس كل الأحداث يعبر عنها سرديا، بل ثمة معلومات لا يتعرف عليها القارئ إلا عبر الحوار؛ وبذلك يكون الحوار مصدرا من مصادر المعرفة في الرواية.
الحوار الخارجي: يمكن أن نشير إلى الحوار الذي جمع سعيد حينما خرج من السجن والمخبر وعليش سدرة، وهو يرغب في استرداد ابنته. ففي هذا الحوار نقف على معاناة سعيد، وعلى غرابة العالم الذي يواجهه، وعلى انحدار القيم وتراجع مضامينها الإنسانية، وهو ما يتجلى بوضوح في كلام المخبر. ونشير كذلك إلى الحوارات التي دارت بين سعيد ونور بشقتها، وهي تعكس غربتهما المشتركة في هذا العالم، ومقدار غضبهما على ما يسوده من ظلم واحتقار وتهميش.
الحوار الداخلي: لا تقل عي الحوار الخارجي في الرواية، حيث تتحدث الشخصية إلى ذاتها كثيرا؛ ويكفي أن ننصت إلى سعيد مهران في لحظات خلوته، لنرى ما يحمله إلينا الحوار الداخلي من ألوان الضياع، والحزن، والوحدة.
التجأ السارد الى توظيف أسلوب الحوار قصد معرفة تصورات الشخصيات وتناقض مواقفها الإيديولوجية. كما التجأ أيضا إلى المنولوج للتعبير عن صراع الشخصيات وتمزقاتها الداخلية ذهنيا ونفسيا.


خلاصة:
يتميز أسلوب نجيب محفوظ في رواية اللص والكلاب بالاقتراب من لغة البساطة والوضوح والدقة في الوصف دونما اهتمام بالمحسنات البديعية، مراعاة للغة العصر التي تأثرت بلغة الصحافة والطباعة وبالمثاقفة، كما تقترب من لغة الحياة اليومية من خلال اعتماد لغة حية لها علاقة بالشارع المصري، بهذا يؤسس نجيب محفوظ لتجربة جديدة تمزج بين اللغة العربية الفصحى واللغة العامية في محاولة لصبر أغوار الإنسان العربي وكشف همومه النفسية والاجتماعية، كما تتميز لغة الرواية بتداخل خيوط السرد، الذي يتداخل فيه صوت الكاتب بصوت السارد والشخصية، الشيء الذي يؤكد بأن الكاتب قد سرد الأحداث بالاعتماد على وضعيات سردية متعددة، من أجل الإحاطة بهموم الشخصية من كل جوانبها، كما تتميز اللغة كذلك باعتماد حقول معجمية كثيرة " حقل الحرية، حقل الموت، حقل الدين، حقل الجسد، حقل السجن، ...." وباعتماد لغة الوصف " وصف الشخصيات، الأماكن.." واعتماد الحوار بنوعيه الخارجي والداخلي .